الأعوام الثقافية

false

false

العلاقات القطرية التركية - شراكة دبلوماسية واقتصادية وثقافية

2025/07/14

تتميز العلاقات بين قطر وتركيا بتحالف دبلوماسي، وتعاون اقتصادي، وبيئة ثقافية تعجّ بالحياة. وقد طور البلدين شراكة وثيقة قائمة على التعاون المستمر، والحوار الاستراتيجي، والمبادرات المشتركة.
Qatar Türkiye Relations

يستكشف هذا المقال روابط الصداقة الودّية بين قطر وتركيا، مسلطًا الضوء على حوارهما السياسي، ومشاريعهما الاقتصادية، والعلاقات الوثيقة بين كلا الشعبين - بما في ذلك العام الثقافي قطر- تركيا 2015، كونه أحد أبرز محطات تلك العلاقة المتأصلة.

العلاقات السياسية بين قطر وتركيا

تأسست العلاقات الدبلوماسية بين قطر وتركيا عام 1972، وبذلك احتفي البلدان مؤخرًا بالذكرى الخمسين للعلاقات الرسمية.

تحافظ تركيا على حضورها الدبلوماسي في قطر من خلال سفارتها الموجودة في الدوحة، والتي يرأسها سعادة السفير الدكتور مصطفى غوكسو. أما التمثيل الدبلوماسي لدولة قطر في تركيا فيرأسه سعادة السفير الشيخ محمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني، وذلك في سفارة قطر في أنقرة، وكذا قنصليتها العامة في إسطنبول.

العلاقات الدبلوماسية القطرية التركية

كان تأسيس اللجنة الاستراتيجية العليا بين دولة قطر والجمهورية التركية عام 2014 محطّةً بارزةً في مسيرة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، حيث مثّلت اللبنة الأساسية التي بُني عليها التعاون الثنائي. اللجنة يرأسها سنويًا كلّ من صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وفخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وتعقد اجتماعاتها بانتظام في كلا البلدين على مدار العقد الماضي. وقد أسفرت كل دورة عن توقيع العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم في مختلف القطاعات.

الزيارات الدبلوماسية الرسمية

تعززت الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وقطر من خلال سلسلة من التعاملات الدبلوماسية رفيعة المستوى.

في عام 2021، عقد الرئيس أردوغان زيارة دولة إلى الدوحة، تُوّجت بتوقيع 15 اتفاقية تعاون جديدة، ما زاد من قوة التحالف. وتعززت هذه الشراكة الوثيقة من خلال الدورة العاشرة لاجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا، الذي انعقد في أنقرة في نوفمبر 2024، تلته مناقشات رفيعة المستوى في ديسمبر 2024 ركزت على العلاقات الاستراتيجية والقضايا الإقليمية.

وتنعكس هذه العلاقة الحيوية أيضًا في المشاورات السياسية بين وزارتي الخارجية في كلا البلدين، حيث انعقدت الجلسة الافتتاحية في أكتوبر 2018.  كما زار السيد هاكان فيدان وزير الخارجية التركي قطر مؤخرًا، في أبريل 2025، واستقبله حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى في قصر لوسيل.

العلاقات الاقتصادية بين قطر وتركيا

شهد التعاون الاقتصادي بين قطر وتركيا نموًا ملحوظًا ليجعل الشراكة حيوية ولها أوجه عدّة، تميزت بتبادلات تجارية مهمّة واستثمارات طويلة المدى. وعلى مدار العقد الماضي تطوّرت العلاقات التجارية بين قطر وتركيا على نحو بارز، حيث تجاوزت 1.8 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2023.

العلاقات الاقتصادية القطرية التركية

العلاقات التجارية بين قطر وتركيا

إن الاتفاقيات التجارية المتعددة والحرص المشترك على التنويع الاقتصادي هو الدعامة التي تستند إليها الشراكة الاقتصادية بين قطر وتركيا. فقد شملت الصادرات التركية إلى قطر المحولات والمنتجات الغذائية والآلات، بينما صادرات قطر إلى تركيا، التي بلغت قيمتها 1.64 مليار ريال قطري في عام 2023، كانت تتكوّن بشكل رئيسي من المنتجات البترولية والألومنيوم الخام. 

وقد اضطلع المقاولون الأتراك بدور محوري في تطوير البنية التحتية القطرية، خاصة وأنهم أسهموا إسهامًا ملحوظًا في المشاريع المتعلقة ببطولة كأس العالمFIFA قطر 2022™. وفي الوقت نفسه، وفرت منصات مثل منتدى الأعمال القطري التركي مساحةً للمستثمرين ورواد الأعمال لاستكشاف الفرص في كلا البلدين. وهناك طموح مشترك لرفع حجم التجارة الثنائية إلى 5 مليارات دولار أمريكي على المدى المتوسط.

من المبادرات البارزة في عام 2024 انعقاد الدورة الأولى للجنة المشتركة القطرية التركية للتعاون الاقتصادي والتجاري بإسطنبول، برئاسة مشتركة من وزيري التجارة في كلا البلدين.

العلاقات القطرية التركية في مجال الأعمال

إضافةً إلى ذلك، أكدت المشاركة القطرية في اجتماع الغرف العربية والتركية في القاهرة التزامها بتعميق العلاقات التجارية. وتعكس هذه الجهود مجتمعةً تحالفًا اقتصاديًا قويًا ومتطورًا، يرتكز على رؤية مشتركة لتحقيق ازدهار طويل الأمد.

الاستثمارات والمشاريع الاستراتيجية

تُعد قطر ضمن أكبر المستثمرين الأجانب في تركيا، حيث استحوذ جهاز قطر للاستثمار على حصص كبيرة في العديد من الشركات التركية، شملت بورصة إسطنبول، وبنوك ضخمة، وشركة بي إم سي (BMC) المصنّعة للسيارات.

وتعمل حوالي 200 شركة قطرية في السوق التركية، بينما تنشط أكثر من 770 شركة تركية في قطر، تشغل 15 منها حيّزًا ضمن المناطق الحرة في قطر. ويتنوّع النشاط الاستثماري بين قطاعات تشمل العقارات، وأخرى خاصة بالإنشاءات، والسياحة، والتكنولوجيا، والإعلام، والرعاية الصحية، مع توجهات حديثة تركّز على الموانئ والتقنيات الرقمية.

العلاقات الثقافية بين قطر وتركيا

إن العلاقات الثقافية بين قطر وتركيا ثرية ومتأصّلة بعمق، يُذكيها التراث المشترك والتقدير المتبادل للفنون والتاريخ والدين. ويساهم التبادل والتعاون الثقافي المنتظم في توطيد الروابط بين الشعبين وتعزيز التفاهم عبر الثقافتين.

العلاقات الثقافية القطرية التركية

التعاون في مجال التعليم والتبادل الأكاديمي

لقد شكّل افتتاح أول مدرسة تركية في قطر عام 2016 محطّةً فارقةً في خدمة الجالية التركية السائرة في النمو، وتعزيز التعليم ثنائي اللغة. ولم تقتصر هذه المدرسة على حفظ الروابط الثقافية بين العائلات التركية في قطر فحسب، بل عرّفت الطلاب القطريين أيضًا على جوانب من اللغة والتاريخ التركيَين. هذا ويقدم معهد دراسات الترجمة بجامعة حمد بن خليفة برنامجًا لتعليم اللغة التركية للكبار.

مركز يونس أمره الثقافي في الدوحة

افتُتح مركز يونس أمره الثقافي في الدوحة في ديسمبر 2015. واشتقّ اسمه من الشاعر والفيلسوف التركي الذي عاش في القرن الثالث عشر، وهو مركز رائد في تنمية اللغة والأدب والفن والتاريخ التركي.

مركز يونس أمره الثقافي في الدوحة

تشمل برامج المركز دورات في اللغة التركية، ومعارض فنية، ومحاضرات، وورشات عمل، وجميعها تروم بناء جسور التواصل بين المجتمعات التركية والقطرية. يُعدّ المركز جزءًا من شبكة واسعة تضم أكثر من 60 مركزًا حول العالم، تعمل جميعها على تعزيز التفاهم الثقافي من خلال التعليم وسبل التبادل.

مبادرات التراث الثقافي

في عام 2018، دعّمت قطر وتركيا تعاونهما الثقافي من خلال مذكرة تعاون بين مكتبة قطر الوطنية والمكتبة الوطنية في تركيا. وُقّعت الاتفاقية خلال الافتتاح الرسمي لمكتبة قطر الوطنية في الدوحة، وركزت على تبادل الوثائق التاريخية والموارد العلمية والخبرات الثقافية.

وفي إطار هذه المبادرة، أهدت تركيا مكتبة قطر الوطنية 400 كتاب لمؤلفين أتراك، ما أثرى مجموعتها متعددة اللغات، وعزز استفادة الجمهور من الأدب والتاريخ التركيين. كما مهدت الاتفاقية الطريق لمشاريع الرقمنة المشتركة، والتعاون في مجال الأرشيف، والتدريب المهني في مجالات مثل الفهرسة والحفظ وأنظمة المكتبات.

توسّعت هذه الشراكة أكثر في عام 2021، حيث جدّدت تركيزها على العلوم والتكنولوجيا والابتكار الثقافي. وتتماشى الاتفاقيتان مع الالتزامات المشتركة في إطار عمل اليونسكو، والتي تعكس الاستثمار المتبادل بين قطر وتركيا في حفاظهما على التراث وترويجهما للتبادل المعرفي. 

استضافت قطر أيضًا اليوم الوطني التركي في المعرض الدولي للبستنة إكسبو قطر 2023 بالدوحة، الذي احتفى بالتراث التركي من خلال الموسيقى والرقص والطبخ والفنون التقليدية. وحضر الفعالية مسؤولون وسفراء وأفراد من الجالية التركية في قطر.

قطر – تركيا 2015: النسخة الرابعة من مبادرة الأعوام الثقافية

نسخة العام الثقافي قطر-تركيا 2015

شكّل العام الثقافي قطر-تركيا 2015 نقطةً فاصلةً في مسيرة العلاقات الثنائية، إذ أبرز قوة الروابط الثقافية بين البلدين من خلال برنامجٍ امتدّ على مدار عامٍ كامل، ضمّ معارض وعروضًا وفعالياتٍ عامة. 
وقد ضمّت الانطلاقة الرسمية للنسخة الرابعة من مبادرة الأعوام الثقافية مهرجانًا تركيًا ضخمًا في متحف الفن الإسلامي بالدوحة، بمشاركة موسيقيين من وزارة الثقافة والسياحة التركية.

Qatar - Türkiye Relations - Qatar Türkiye cultural relations -  AR .jpg

ونقل المهرجان والبازار التركي أصواتًا مفعمة بالطاقة وألوانًا مشرقة من الثقافة التركية إلى العاصمة القطرية في حديقة متحف الفن الإسلامي، حيث تضمّن موسيقى تقليدية، وجوقة الموسيقى العسكرية العثمانية "مهتران"، وعروضًا للرقص الشعبي تأسر الأنظار، ومقهى شاي تركي يجذب الأذواق، وتجربة سينمائية في الهواء الطلق تخلب الألباب.

واحتضن الحي الثقافي كتارا معرض حريم السلطان البديع، الذي ضمّ باقةً مختارة من عناصر الديكور والأزياء والإكسسوارات التي استُخدمت في المسلسل التركي الشهير الذي يحمل اسم المعرض نفسه، والذي استقى قصته من عهد السلطان سليمان القانوني.

وقدّم معرض "الصيد" في متحف الفن الإسلامي مجموعة من الأعمال الفنية من متاحف قطرية وتركية، ليحتفي بالصيادين الملكيين وبرياضة الصيد كما يصوّرها الفن الإسلامي. 

أما معرض التصوير الفوتوغرافي "لغة بلا كلمات" الذي احتضنه متحف إسطنبول للآثار، فقد عرض أعمال الشيخ خالد آل ثاني، مركّزًا على المناظر الطبيعية للصحراء في قطر وتراثها الطبيعي الأخّاذ. وتمجيدًا لمكانة التراث البحري في قطر، جاء المعرض الرائع "لآلئ وجواهر من البحر"، الذي ضمّ مجوهرات ولآلئ من قطر وثقافات أخرى في متحف الفنون التركية والإسلامية بإسطنبول.

الفعاليات الثقافية القطرية التركية

بالإضافة إلى ذلك، جمع مشروع التصوير الفوتوغرافي "رحلات فنية: زوايا جديدة وآفاق جديدة" مصورين قطريين وأتراك ناشئين ليوثّقوا حياة الناس البسطاء في كلا البلدين، مقدمين سرديات وقصصًا بصرية جديدة. 

وفي إطار الاحتفالات، افتُتح شارع قطر رسميًا في أحد أحياء إسطنبول المرموقة، في رمزٍ للتحالف الدائم الذي يجمع البلدين.

العلاقات الثقافية القطرية التركية

شاركت تركيا أيضًا في العام الثقافي قطر- الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا 2022، حيث قدّمت عرضًا تقليديًا لخيال الظل بعنوان "كراكوز وعيواظ" في الدوحة، ونظّمت فعاليةً للاحتفال بيوم الطفولة والسيادة الوطنية. كما شاركت تركيا في مهرجان أيام الجاليات في ساحة الأعلام، احتفاءً بالتنوع الثقافي وتعزيزًا للعلاقات بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا.

ختامًا

لقد أسّست قطر وتركيا شراكة قوية وحيوية، تُقرّب بين الشعبين، تشكّلت جذورها من القيم والأهداف المشتركة، والتبادلات الثقافية النشيطة.

شكّل العام الثقافي 2015 سابقةً في مجالات التعاون المستقبلي، وأكّد القوة التي أحدثت الفارق في الدبلوماسية الثقافية، كما أبان عن عدم اقتصار العلاقات الدبلوماسية بين قطر وتركيا على السياسة والاقتصاد، بل تشبّعت على نحو متكافئ بالروابط الإنسانية والتعبيرات الفنية.

تُمثّل الشراكة القطرية التركية نموذجًا رائعًا للتوليفة التي تجمع بين الدبلوماسية والتجارة والثقافة لتشكّل بها تحالفًا دوليًا له دلالته وأهميته.

اكتشفوا فعاليات الأعوام الثقافية القادمة في قطر

المزيد من المقالات