الأعوام الثقافية

false

false

وُلدت في الدوحة، وتردد صداها لأبعد من ذلك بكثير - الدبلوماسية الثقافية القطرية وتطور مبادرة "الأعوام الثقافية"

2025/06/19

مع احتفال قطر بالنسخة الخامسة عشرة من برنامج الأعوام الثقافية في عام 2025، وترحيبها بالأرجنتين وتشيلي باعتبارهما أول شريكين مزدوجين لها في عام واحد، نستحضر المسيرة التي قطها هذا البرنامج والدور البارز الذي يؤديه في تجسيد رؤية قطر للتبادل الثقافي العالمي.
Qatar's Cultural Diplomacy

ويعتمد هذا التأمل على مقالة الرأي التي نشرتها سعادة لولوة الخاطر، وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي، الأسبوع الماضي في صحيفة "عرب نيوز"، لاستكشاف كيف يواصل برنامج الأعوام الثقافية رسم ملامح الدبلوماسية الثقافية لدولة قطر في عام 2025 وما بعده.

مقال بقلم لولوة الخاطر، وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي

وكانت قطر قد أطلقت، في عام ٢٠١٢، مبادرة "الأعوام الثقافية" باعتبارها وسيلة لدعوة العالم إلى التعرف عليها عن قرب، خلال السنوات التي سبقت استضافتها لبطولة كأس العالم لكرة القدم فيفا - قطر ٢٠٢٢™. ومنذ ذلك الحين، أصبحت هذه المبادرة أكثر شمولاً، حيث تحولت إلى منصة حيوية ومتجددة للحوار الثقافي.

وتحت رئاسة سعادة الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، أصبحت مبادرة الأعوام الثقافية ركيزة أساسية للدبلوماسية الثقافية لدولة قطر، حيث ترحب بالأصوات الإبداعية، وتبني شراكات مستدامة، وتدعو إلى التعلم المتبادل عبر الحدود.

وقد تناولت سعادة لولوة الخاطر هذا التطور في مقالها بصحيفة عرب نيوز. وفي معرض حديثها عن النهج الفريد للبرنامج، كتبت: "لا يتعلق الأمر بتصدير الثقافة القطرية أو استيراد ثقافات أخرى، بل بإعادة صياغة كيفية تطور الثقافة - بتعاون واحترام ودون تسلسل هرمي".

الثقافة باعتبارها حوارًا

من ساو باولو إلى طنجة، ومن باريس إلى جاكرتا، وصولاً إلى بوينس آيرس وسانتياغو في الوقت الحالي، يتبنى برنامج مبادرة الأعوام الثقافية نموذجًا لامركزيًا يعزز التعاون الثقافي الأصيل. "ويتجلى هذا النهج في المعارض الفنية القطرية المعاصرة التي تجوب الدول الشريكة السابقة مثل ألمانيا والصين وروسيا، لعرض أعمال الفنانين القطريين الشباب."

وعلى مر السنين، ساهم هذا النهج في تشكيل الحوارات الوطنية، وإلهام أطر مؤسسية جديدة، وإحداث تأثيرات متواصلة يتردد صداها طويلًا حتى بعد انتهاء كل نسخة من هذه المبادرة رسميًا. ومن أجمل القصص التي أفرزتها مبادرة الأعوام الثقافية تلك التي تتجاوز نطاقها الأصلي وتستمر في الازدهار. 

إرث مبادرة الأعوام الثقافية

فعلى سبيل المثال، أُقيم المعرض الشهير "حياة الترحال من منظور جديد"، الذي نُظِّم في الأصل ضمن فعاليات العام الثقافي قطر- الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا 2022، في الصين، الشريك القديم منذ عام 2016. وعُرضت أعمال الفنانة المغربية سارة أوحدّو لأول مرة في معرض "عالمنا يحترق" في قصر طوكيو في إطار فعاليات العام الثقافي قطر- فرنسا 2020، ثم عادت لاحقًا إلى الدوحة للمشاركة في برنامج الإقامة الفنية "قطر-المغرب: رسم معالم مستقبل التصميم" في عام 2024.

وتُبرز هذه الشراكات الإبداعية إحدى الركائز الأساسية لبرنامج "الأعوام الثقافية" وهي قدرته على التطور والتعمق والبناء على التجارب المشتركة. وتكتسب هذه الرؤية أهميةً خاصة للمبدعين الشباب والمنتجين الثقافيين من دول الجنوب العالمي، حيث يُتيح لهم برنامج "الأعوام الثقافية" منصةً نادرةً وقيّمةً.

ربط الدبلوماسية الرسمية بالإبداع الشعبي

من السمات المميزة الأخرى للدبلوماسية الثقافية القطرية كيفية دمجها بين الشراكات رفيعة المستوى والبرامج المجتمعية. فبينما تظل السفارات ووزارات الثقافة من العناصر الأساسية في هذا العمل، يساهم المصممون والطهاة والطلاب والاقتصاديون والمتطوعون بدور لا غنى عنه أيضًا.

مبادرة الأعوام الثقافية – الدبلوماسية الثقافية

وتتنوع البرامج لتشمل كل شيء بدءًا من معارض المتاحف البارزة، مثل معرض "لاتينو أمريكانو" الأخير، الذي نظمه متحف الفن اللاتيني الأمريكي في بوينس آيرس (مالبا) بالتعاون مع متاحف قطر، وصولاً إلى إقامات التصميم، وتجارب الطهي المؤقتة، وأعمال الفن العام في مدن متنوعة حول العالم.

وأوضحت الخاطر أن "كل عام ثقافي يُطوَّر بالتعاون مع الدولة الشريكة، بما يعزز الملكية المتبادلة والأصالة الثقافية. ففي عام ٢٠٢٤، استضاف متحف قطر الوطني معرض أزياء سلط الضوء على أعمال المصمم المغربي محمد بنشلال، الذي صمّم مجموعته باستخدام مواد جُمعت من ورش السيارات بالدوحة، ونُفذت في استوديوهات ومختبرات ليوان للتصميم."

الدبلوماسية الثقافية في قطر

رؤية قائمة على الحوار

ترتكز مبادرة "الأعوام الثقافية" على قناعة راسخة بأن الثقافة جزءٌ أساسيٌّ من فهم الأمم لبعضها البعض ولذواتها. وكما كتبت سعادة السيدة لولوة الخاطر: "تظل رؤية قطر الأشمل للانفتاح العالمي محورًا أساسيًا. وفي إطار سعيها لرسم ملامح هويتها في مرحلة ما بعد انتهاء بطولة كأس العالم لكرة القدم، تبنت قطر الدبلوماسية الثقافية كأداة جوهرية للتعبير عن دورها الدولي، الذي يستند إلى الحوار والتبادل الفكري".

وبعد أن كان يُنظر إلى قطر باعتبارها طرفًا صاعدًا في المشهد الثقافي العالمي، أصبحت اليوم ترسخ مكانتها بصفتها مركزًا حيويًا للأفكار والأصوات المتنوعة والفرص  الواعدة. وقالت سعادة لولوة الخاطر: "في السنوات المقبلة، قد تنتقل مبادرة الأعوام الثقافية من نموذج الشراكات السنوية إلى نموذج حوارات عالمية متواصلة ومتقاطعة، تنطلق من الدوحة وتمتد أصداؤها إلى أبعد من ذلك بكثير".

مبادرة الأعوام الثقافية: إرث حي

مع احتفالنا بالذكرى الخامسة عشرة لمبادرة "الأعوام الثقافية"، نتطلع أيضًا إلى المستقبل بتفاؤل وعزم والتزام راسخ بالتعاون. وسواء من خلال المعارض، أو الشراكات البحثية، أو المبادرات الشعبية، يواصل هذا العمل نموه ويعزز من جهود التواصل والتفاعل.

وفي عالمٍ يزداد انقسامًا، تكتسب هذه المبادرات الهادئة للتبادل الإبداعي أهميةً أكبر من أي وقتٍ مضى. فهي تُذكرنا بأن الثقافة ليست سلعةً أو ساحة للمنافسة، بل هي أسلوب حياة، وشيءٌ نتقاسمه مع الآخرين. وقد انطلقت مبادرة "الأعوام الثقافية" من الدوحة، لكن صداها بات يتردد في جميع أنحاء العالم، وهي ليست مجرد برنامجٍ للفعاليات، بل هي طريقةٌ للتفكير في التواصل الثقافي في القرن الحادي والعشرين، تقدم دعوة مفتوحة للجميع للمشاركة فيها.

استكشف المعارض والفعاليات القادمة في قطر وخارجها ضمن برنامج العام الثقافي قطر والأرجنتين وتشيلي 2025.

المزيد من المقالات