بناء الجسور بين القارات من خلال الفن - حوار مع ماريا أماليا جارسيا، رئيسة أمناء متحف مالبا
2025/04/30
خلال الفترة من 21 أبريل إلى 19 يوليو 2025، يستضيف متحف قطر الوطني معرض "لاتينو أمريكانو: الفن الحديث والمعاصر من مقتنيات متحف الفن اللاتيني الأمريكي في بوينس آيرس (مالبا)، وإدواردو ف. كوستانتيني"، وهو معرضٌ بارزٌ يضم أكثر من 170 عملاً فنيًا من مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية.
ويُقام هذا المعرض بالشراكة مع متاحف قطر، ويمثل تبادلاً ثقافيًا حيويًا بين أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط، في إطار فعاليات العام الثقافي قطر- الأرجنتين وتشيلي 2025.
ويدعو المعرض، الذي يشرف على تنظيمه ماريا أماليا جارسيا، رئيسة أمناء متحف الفن اللاتيني الأمريكي في بوينس آيرس (مالبا)، إلى جانب عيسى الشيراوي، المشاهدين إلى الاستمتاع برحلة بصرية غنية عبر خمسة أقسام موضوعية تعكس التنوع والتعقيد وروح الفن اللاتيني الأمريكيمن أوائل القرن العشرين وحتى اليوم.
وقد تحدثنا مع ماريا أماليا جارسيا للتعرف على المزيد من المعلومات عن منهجها التنظيمي، والأفكار الرئيسية وراء معرض "لاتينوأمريكانو"، وكيف شكّل هذا المعرض الطموح حوارًا ثقافيًا مع أمناء المتاحف في قطر. في الحوار التالي، تتحدث جارسيا عن رؤيتها حول قدرة الفن على تحدي السرديات وفتح حوارات جديدة عابرة للقارات.
هل يمكن أن تخبرينا قليلاً عن خلفيتكِ؟ ما الذي جذبكِ في البداية لدراسة فن أمريكا اللاتينية وتنسيقه؟
أركز في عملي على إثراء وتنويع قراءات أعمال متحف مالبا وفنانيه. وقد ساهمت دراستي وتدريسي لتاريخ الفن في جامعة بوينس آيرس، ودوري بصفتي باحث في المجلس الوطني للبحوث العلمية والتقنية (كونيسيت)، في تعميق فهمي للتفاعلات الثقافية في منطقتنا. وأنا مهتمة بشكل خاص بدراسة ونشر فن أمريكا اللاتينية، وخاصةً التحولات في الفن الحديث، مع التركيز على التصوير التجريدي.
كيف أثر دورك بصفتك رئيسة أمناء لمتحف مالبا على وجهة نظرك بشأن التراث الفني للمنطقة؟
عزز دوري بصفتي رئيسة لأمناء متحف (مالبا) من التزامي باتباع نهج تعددي ونقدي تجاه التراث الفني لأمريكا اللاتينية. ومنذ انضمامي إلى المؤسسة في عام ٢٠٢١، أقمتُ معارض مثل معرض "العين الثالثة"، الذي يتناول مقتنياتنا إلى جانب مقتنيات إدواردو ف. كوستانتيني، ويتناول قضايا مثل تراث الفن الحديث في الفن المعاصر، والاستدامة، والذاتية، وتمثيل الذات. كما قمنا بتوسيع المقتنيات، لنعزز بذلك رؤية أكثر شمولاً وتنوعًا للفن في منطقتنا. وتعكس هذه المشاريع إيماني بأن المتاحف يجب أن تدمج وتعزز وجهات النظر المتنوعة.
هل يمكن أن تخبرينا عن المواضيع والسرديات الرئيسية التي تم تسليط الضوء عليها في معرض "لاتينو أمريكانو"؟
يستكشف معرض "لاتينوأمريكانو" الفن في المنطقة ليس من خلال نهج تاريخي خطي، بل من خلال مواضيع تتجاوز حدود الزمن، مثل العلاقة مع الأرض والمدن والصراعات الاجتماعية والهويات المتغيرة والوسائط الفنية. وأردنا تسليط الضوء على كيفية إبداع فناني أمريكا اللاتينية صورًا مؤثرة لتخيل زمانهم ومكانهم، غالبًا من منظور المقاومة والجماعية.
ويحتفي هذا المعرض بالتنوع والحوار بين الحداثة والمعاصرة، ويشجعنا على إعادة النظر في سردياتنا من منظور نقدي ومحلي. ويعرض المعرض ما يقارب 200 عمل فني، ليقدم بذلك لمحةً شاملةً عن الإنتاج الفني للقارة منذ عام 1900 وحتى اليوم.
كيف ساهم تعاونِك مع عيسى الشيراوي، رئيس قسم المعارض الدولية في متاحف قطر، في صياغة النهج التنظيمي لهذا المعرض؟ وما هي الأفكار التي اكتسبتِها من العمل في هذا السياق الثقافي الجديد؟
مثَّل العمل مع عيسى الشيراوي والشيخة الجازي آل ثاني تجربةً ثريةً للغاية. فمنذ البداية، أرسينا حوارًا تعاونيًا، إدراكًا منا بأن الفن في أمريكا اللاتينية يجب أن يتردد صداه في هذا السياق الثقافي الجديد.
وطرح عيسى وجهة نظر فريدة من قطر لكيفية تفسير أعمالنا، وهو ما دفعنا لتعديل بعض نقاط التركيز مع الحفاظ على الخصوصية الإقليمية. وقد تعلمتُ الكثير عن ثراء الثقافة العربية وأهمية بناء جسور ثقافية متبادلة. لقد كانت عملية استماع ومشاركة وإبداع مشترك.
بالنظر إلى التنوع الكبير في الأعمال الفنية لأمريكا اللاتينية في مقتنيات متحف "مالبا"، كيف تمكنتِ من تنظيم معرض أصيل عن تاريخ أمريكا اللاتينية ومتاح لجمهور جديد بمدينة الدوحة في الوقت نفسه؟
كان من بين التحديات التي واجهتها كيفية ترجمة ثراء وتعقيد فن أمريكا اللاتينية لجمهور قد يصادفه للمرة الأولى. فبدلاً من اتباع هيكل زمني أو جغرافي، نظّمنا المعرض حول مواضيع رئيسية هي: العلاقة بالأرض، وبناء الهوية، والاستجابة للصراع الاجتماعي، وغيرها من المواضيع.
ويتيح لنا هذا الهيكل إمكانية التفاعل مع القضايا العالمية من منظور إقليمي. بالإضافة إلى ذلك، تعاونّا بشكل وثيق مع الفريق المحلي لضمان استقبال ثقافي مدروس ومحترم لمعروضاتنا في الدوحة.
يُبرز المعرض أوجه التشابه بين التقاليد الفنية الأمريكية اللاتينية والعربية. هل يمكنكِ شرح بعض الروابط التي اكتشفتيها؟
من بين الروابط الرائعة التي برزت بالتعاون مع فريق قطر التركيز المشترك على الجوانب التراثية والروحية والرمزية. تُظهر كلتا الثقافتين احترامًا عميقًا للذاكرة والتقاليد الشفهية وأشكال النقل الشعائرية.
فعلى سبيل المثال، تتشابه أعمالٌ مثل "كيبو" سيسيليا فيكونيا - وهي سجلاتٌ منسوجةٌ من المعرفة، مع نماذج مماثلة في الثقافات العربية. ورغم اختلاف اللغات، إلا أن التناغم بين هذه التقاليد مثيرٌ للدهشة.
ما الذي يجعل متحف قطر الوطني المكان المثالي لهذا المعرض، وكيف يساهم هذا المعرض في تشكيل فهم عالمي للفن الحديث والمعاصر في أمريكا اللاتينية؟
يُعدّ متحف قطر الوطني المكان الأمثل بفضل هندسته المعمارية والتزامه بسرد قصص متعددة الأوجه، مثل قصص التاريخ والذاكرة والأرض والهوية. هذه هي بالضبط المواضيع التي نستكشفها في معرض "لاتينو أمريكانو". ويتيح عرض أعمالنا الفنية في مثل هذه المساحة إمكانية دمج فن أمريكا اللاتينية في سرد عالمي أوسع، وهو ما يمنحه مكانته المستحقة باعتباره صوتًا متميزًا. كما أن تفاعل المتحف مع جماهير متنوعة يعزز تفسيرات وحوارات جديدة حول الحداثة والمعاصرة.
ما أهم الدروس المستفادة التي تأملين في أن يستفيدها الزوار من المعرض؟ وما أنواع الحوارات التي تأملين في أن تثيرها هذه الأعمال بين الجمهور؟
آمل أن يغادر الزوار المعرض وقد غمرهم الشعور بالتقدير لثراء وتنوع فن أمريكا اللاتينية، ليس من حيث التعبيرٍ المتجانس، بل من حيث كونه مجالاً متعدد الأوجه، تشكّله أصواتٌ وتاريخٌ ونضالاتٌ لا تُحصى. ويشجع المعرض على التأمل في كيفية تفاعل الفنانين مع السياقات الاجتماعية والسياسية، وكيفية تفاعلهم مع الطبيعة، ومعارف الأجداد، وتفاعلهم مع بعضهم البعض. وآمل أن تُثير هذه الأعمال حواراتٍ حول الهوية، والمقاومة، والإبداع، وأن تُظهر قوة الفن في ربط الثقافات بطرقٍ غير متوقعة ومُجدية.
يهدف العام الثقافي قطر - الأرجنتين وتشيلي ٢٠٢٥ إلى تعزيز الروابط الفنية بين ثقافتينا. ما هو الأثر طويل الأمد الذي تأملين في أن يُحدثه هذا المعرض على التعاون الثقافي؟
هذا المعرض جزء من جهد أوسع لبناء جسور دائمة بين ثقافاتنا. وآمل أن يُعمّق المعرض من فهم الفن في أمريكا اللاتينية، وأن يُعزز الشعور بالتجربة المشتركة والحوار مع العالم العربي. وعلى المدى البعيد، آمل أن يساهم هذا المعرض في استمرار التعاون والتبادل، بالإضافة إلى إطلاق مشاريع فنية جديدة تربط مناطقنا بطرق هادفة. ويُمثّل العام الثقافي قطر- الأرجنتين وتشيلي 2025 فرصة فريدة لاستكشاف كيف يُمكن للفن أن يكون أداةً تحويليةً للاحترام المتبادل والتعلم والتفاهم بين الثقافات.
