قطر والبرازيل - شراكة متعددة الأوجه في الدبلوماسية والتجارة والثقافة
2025/07/15
الأعوام الثقافية
false
2025/07/15
يستعرض هذا المقال عمق العلاقات القطرية البرازيلية وتنوعها من الزيارات الرسمية إلى المبادرات الثقافية والتعليمية. كما يعود بالذاكرة إلى العام الثقافي قطر - البرازيل 2014، الحدث البارز الذي لا تزال أصداؤه تساهم في تعزيز الروابط الوثيقة بين البلدين حتى اليوم.
تأسست العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين قطر والبرازيل في عام 1974، وشهدت تطورًا ملحوظًا على مدار العقود التي تلت. ويحرص البلدان على الحفاظ على بعثات دبلوماسية نشطة، ما يعزز الحوار السياسي ويدعم المصالح المشتركة.
وتؤدي السفارة البرازيلية في الدوحة، التي افتُتحت في عام 1997، دورًا محوريًا في تعزيز التعاون الثنائي ودعم المواطنين البرازيليين في قطر. ومنذ عام 2023، يتولى سعادة السفير مارسيلو أوتافيو دانتاس لوريس دا كوستا مهمة تمثيل البرازيل في قطر، حيث أشرف على العديد من المبادرات الدبلوماسية والثقافية.
وتحافظ قطر على حضورها الدبلوماسي في البرازيل من خلال سفارة دولة قطر في برازيليا، التي يترأسها حاليًا سعادة السفير أحمد محمد علي محمد الشيباني. ومنذ عام 2019، يسري اتفاق الإعفاء المتبادل من تأشيرات الدخول بين قطر والبرازيل لحاملي جوازات السفر العادية.
توطدت العلاقات الثنائية بين قطر والبرازيل من خلال سلسلة من الزيارات الرسمية رفيعة المستوى. ففي عام 2010، زار الرئيس البرازيلي آنذاك لويس إيناسيو لولا دا سيلفا الدوحة، كما أجرى صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني زيارة رسمية إلى البرازيل، وُقّع خلالها العديد من الاتفاقيات الثنائية.
وفي عام 2014، استقبل حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، الرئيسة البرازيلية آنذاك ديلما روسيف في قطر، حيث عُقدت مباحثات رفيعة المستوى. كما أجرى الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو زيارتين إلى قطر، الأولى في أكتوبر 2019 (بمناسبة الذكرى الخامسة والأربعين لإقامة العلاقات الثنائية بين البلدين)، والثانية في نوفمبر 2021، ضمن جولة إقليمية.
ومؤخرًا، مثّل سعادة الشيخ فهد بن فيصل آل ثاني، وزير الدولة، دولة قطر في حفل تنصيب الرئيس لولا دا سيلفا في يناير 2023، ثم كانت للرئيس لولا زيارة رسمية إلى قطر في شهر نوفمبر من العام نفسه. وشارك حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، على رأس وفد رسمي، في قمة مجموعة العشرين لعام 2024 التي عُقدت في مدينة ريو دي جانيرو.
ويتعاون البلدان كذلك في المنتديات متعددة الأطراف مثل الأمم المتحدة ومجموعة 77، لتعزيز الأهداف المشتركة في مجالات التنمية والعلاقات الدولية.
ازدهرت العلاقات التجارية بين قطر والبرازيل على مر السنين، مستندةً إلى روابط دبلوماسية واقتصادية متينة. ووفقًا لغرفة تجارة وصناعة قطر، تُعدّ البرازيل شريكًا تجاريًا رئيسيًا في أمريكا اللاتينية، حيث ارتفع الحجم السنوي للتجارة بين البلدين من 2.1 مليار ريال قطري عام 2020 إلى 3.8 مليار ريال قطري عام 2021.
ترتكز العلاقات التجارية بين قطر والبرازيل على روابط دبلوماسية واقتصادية متينة، حيث تستورد قطر سلعًا أساسيةً من البرازيل، بينما تستورد البرازيل الأسمدة والمنتجات الكيماوية من قطر. وقد ساهم هذا التبادل في تمهيد الطريق لتوسيع مجالات التعاون والمشاريع المشتركة بين البلدين.
وفي عام 2010، تأسس مجلس أعمال مشترك بين غرفة تجارة قطر وغرفة التجارة العربية البرازيلية. وتنظم غرفة قطر والوكالة البرازيلية لتنمية التجارة والاستثمار (أبيكس برازيل) ملتقيات أعمال ووفودًا تجارية لاستكشاف فرص الاستثمار المشترك بين البلدين.
وفي مايو 2025، استضافت قطر ندوة التجارة والاستثمار لمنطقة شمال شرق البرازيل، حيث سلط المسؤولون البرازيليون الضوء على النمو السريع الذي تشهده المنطقة ودعوا المستثمرين القطريين لاستكشاف الفرص المتاحة في مجالات البنية التحتية والسياحة والضيافة.
في السنوات الأخيرة، أصبحت الاستثمارات الاستراتيجية ركيزة أساسية في العلاقات القطرية البرازيلية. ففي عام 2023، أبدى جهاز قطر للاستثمار اهتمامه باستكشاف الفرص في قطاعي البنية التحتية والطاقة في البرازيل. كما تمتلك شركة قطر للطاقة حصة 20٪ في حقل "أغوا مارينيا" البحري للنفط في البرازيل، إلى جانب شركتي توتال إنرجيز وبتروناس. وتعكس هذه التطورات مسارًا تصاعديًا في حجم التعاون التجاري بين قطر والبرازيل، ليشمل مجالات الطاقة والأمن الغذائي والبنية التحتية والقطاع المالي.
تربط قطر والبرازيل صلات ثقافية حيوية ومتطورة باستمرار، تتميز بتبادل التقاليد والمعارف وأوجه التعبير الإبداعي. يواصل البلدان، بدايةً من شغفهما المشترك بكرة القدم إلى المبادرات التعليمية، استكشاف القيم التي تجمعهما من خلال التعاون الثقافي المتنوع.
برزت الرياضة، ولا سيما كرة القدم، باعتبارها وسيلة فعّالة للتبادل الثقافي بين قطر والبرازيل، إذ يتقاسم البلدان تجربة فريدة باستضافة كل منهما لبطولة كأس العالم لكرة القدم (البرازيل عام 2014 وقطر عام 2022). وقد أثمر هذا الإرث المشترك إطلاقَ العديد من برامج تدريب الشباب والفعاليات الكروية التي تحتفي بروح الرياضة الموحِّدة للشعوب.
وزار ما يقرب من 10,000 مشجع معرض الطريق نحو قطر 2022 في ساو باولو، الذي استعرض استعدادات قطر لاستضافة بطولة كأس العالم، في أجواء حماسية سبقت الحدث. وكان كل من اللجنة العليا للمشاريع والإرث والاتحاد القطري لكرة القدم وراء تنظيم هذا الحدث، الذي استعرض نماذج لملاعب كأس العالم، ومقتنيات تذكارية، إضافة إلى الاحتفاء بتتويج المنتخب القطري بلقب كأس آسيا 2019، والمشاركة التاريخية الأولى لقطر في بطولة كوبا أمريكا.
وخلال بطولة كأس العالم لكرة القدم FIFA قطر 2022™، صنع المشجعون البرازيليون أجواءً احتفاليةً حماسيةً في مناطق المشجعين بالدوحة، حيث جلبت الموسيقى البرازيلية ورقصات السامبا والطبول التقليدية الطاقة الحيوية البرازيلية إلى شوارع قطر، في مشهد جسّد قدرة كرة القدم على تجاوز الحدود والجمع بين الشعوب.
ثم إن الإشادة البارزة لأسطورة كرة القدم البرازيلية بيليه في 3-2-1 متحف قطر الأولمبي والرياضي بالدوحة شهادة إضافية على هذه الروابط. فذكرى بيليه، الملقب باسم "الملك"، مخلَّدة في قاعة الرياضيين بالمتحف، حيث لا يزال إرثه يلهم الأجيال.
في عام 2010، وقّعت اللجنة الأولمبية القطرية ونظيرتها البرازيلية مذكرة تفاهم لدعم مبادرات التدريب المشتركة، وتبادل الخبرات، والمشاركة في البرامج التي تعزز تنمية الألعاب الرياضية الأولمبية.
يُشكل كل من اللغة والأدب عمادًا أساسيًا لتعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب. ومن هذا المنطلق، توفّر مؤسسات أكاديمية مرموقة في البرازيل، مثل مركز الدراسات العربية في جامعة ساو باولو و قسم الدراسات العربية في الجامعة الفدرالية بريو دي جانيرو، برامج متخصصة في الدراسات العربية.
في الدوحة، أطلق معهد دراسات الترجمة دورات لتعلم اللغة البرتغالية واحتفى بيوم اللغة والثقافة البرتغالية في مركز الطلاب بجامعة حمد بن خليفة بالمدينة التعليمية، بالتعاون مع سفارتيْ البرتغال والبرازيل لدى قطر.
تأتي مذكرة التفاهم الموقعة بين مكتبة قطر الوطنية ومكتبة بيبلياسبا (المكتبة العربية - الجنوب أمريكية) لتُسهم في توسيع التعاون في مجالات الترجمة، ومشاريع الأرشفة المشتركة، وحفظ التراث الثقافي العربي – الجنوب أمريكي.
في أكتوبر 2023، دخلت مؤسسة جيتوليو فارغاس، إحدى المؤسسات الأكاديمية الرائدة في البرازيل، في شراكة مع مؤسسة التعليم فوق الجميع في قطر لإجراء أبحاث علمية مشتركة تركّز على التعليم الشامل وتحديات التعلم في البرازيل.
مثّل العام الثقافي قطر - البرازيل 2014 مبادرة بارزة هدفت إلى تشييد معابر ثقافية دائمة من خلال برنامج منسق من الفعاليات ومشاريع التعاون.
ضم البرنامج أكثر من 50 فعالية نُظِّمت في أرجاء الدوحة وفي مدن برازيلية شتى، وشملت المعارض الفنية، والعروض السينمائية، وبرامج التبادل في مجال التعليم، والعروض العامة، جسّدت جميعها حيوية ثقافة البلدين. وقد سعت هذه المبادرة إلى تشجيع الحوار والتفاهم الثنائي، وتقدير كل بلد منهما تراث الآخر وهويته الحديثة.
شكّل مهرجان البرازيل في حديقة متحف الفن الإسلامي بالدوحة إحدى أبرز الفعاليات، حيث توافد آلاف الزوار للاستمتاع بالموسيقى الحية، وعروض الكابويرا، ومأكولات الشارع البرازيلية، والفنون البصرية. كان للطهاة البرازيليين دور بارز أيضًا في مهرجان قطر الدولي للأغذية 2014، إذ قدموا عروض طهي تفاعلية عرَّفوا خلالها الجماهير القطرية بالمطبخ البرازيلي.
ومن أبرز الأحداث أيضًا تأتي اتفاقية التوأمة الرمزية بين مدينتي الدوحة وبرازيليا، التي أُبرمت رسميًا في متحف الفن الإسلامي، ترسيخًا لالتزام طويل الأجل بالتعاون على الصعيدين الثقافي والحضري.
ضم معرض الفن المعاصر "هنا وهناك"، الذي احتضنه جاليري الرواق، أعمالًا لفنانين من قطر (هنا) وآخرين من البرازيل (هناك) عُرضت جنبًا إلى جنب، راسمةً حوارًا بصريًا مبهرًا بين الثقافتين. ومن الفن المعاصر إلى فن المستديرة، حيث نُظّم في مركز كتارا للفن معرضاً بعنوان "كرة قدم بلا حدود" للمصور الفوتوغرافي البرازيلي كايو فيليلا، احتفى بسحر كرة القدم وقدرتها على توحيد شعوب العالم، من خلال شغف مشترك يجمع الثقافات ويقرب بعضها من بعض.
شارك مصورون فوتوغرافيون من كلا البلدين في بعثة التصوير المشتركة، ملتقطين بعدساتهم مشاهد من الحياة اليومية في كل من قطر والبرازيل. وأثمر عملهم معرضًا متنقلًا عبّر عن الهوية الثقافية من زاوية إنسانية عميقة.
علاوة على ذلك، كان مهرجان "ابتكر وألهم" فرصة سانحة للفنانين الشباب من قطر والبلدان الشريكة للتعاون مع مبدعين برازيليين في مدن عدة منها ساو باولو، وسلفادور، وأورو بريتو، ما أسهم في إثراء التعلم العابر للثقافات من خلال الفن والأفلام والتصوير الفوتوغرافي.
امتد أثر العام الثقافي قطر- البرازيل 2014 ليبلغ أيضًا المؤسسات التعليمية، ببرامج لتبادل اللغات وبرامج أخرى تفاعلية مثل معرض "ألف اختراع واختراع: علوم من الحضارة الإسلامية"، حيث تعرَّف فيه قرابة 2000 طالب برازيلي على الإنجازات العلمية إبان العصر الذهبي للإسلام من خلال زيارات مدرسية وبرامج تدريبية للمعلمين.
حلّت دولة قطر ضيف شرف على معرض الكتاب في بيليم، تحت شعار "قطر: نافذة على العالم العربي". وفي ضوء هذا الاهتمام الاستثنائي، تمكّن الجمهور البرازيلي من استكشاف شعر قطر وأدبها وتقاليدها في سرد القصص.
لقد شكّلت هذه الاحتفالات والتجارب المشتركة العديدة خلال العام الثقافي قطر-البرازيل 2014 نقطة انطلاق لحوار دائم بين الدولتين.
ما فتئت قطر والبرازيل تُثبتان قدرة الشراكة الدولية الاستراتيجية على إحداث التغيير، فعلاقتهما المستمرة تطورت إلى أساس متين للتعاون. وقد أصبح البلدان نموذجًا قويًا للشراكة العالمية، مُنطلقان من المحادثات السياسية رفيعة المستوى إلى توسيع التبادلات التجارية والفنية.
يُؤكد إرث مبادرات مثل "العام الثقافي قطر- البرازيل 2014" على الأثر الدائم للدبلوماسية الثقافية في بناء جسور التقارب. وفيما تُرحب قطر والبرازيل بالفرص الجديدة، تعزز قيمهما وطموحاتهما المشتركة سبل شراكتهما لتنقلها إلى مستويات أعمق تُركز على الابتكار والاستدامة والحوار في عالم يزداد تواصلًا يومًا بعد يوم.
تعرَّف على المزيد من المعلومات حول الفعاليات المقبلة التي ستقام في إطار برنامج العام الثقافي قطر- الأرجنتين 2025.