السينما التشيلية - سرد قصص أمة
2025/10/30
الأعوام الثقافية
false
2025/10/30

واليوم، يكتسب مخرجون تشيليون بارزون مثل بابلو لارين وسيباستيان ليليو بشهرة عالمية متزايدة، فيما تواصل الأفلام التشيلية الشهيرة مثل "لا يا جلوريا"، و"امرأة رائعة" الاستحواذ على اهتمام الجماهير والنقاد في مختلف أنحاء العالم.
ولكن ما الذي يجعل الأفلام التشيلية بهذا القدر من الجاذبية؟ وكيف أثّر تاريخ البلاد المضطرب على هويتها السينمائية؟ وما الدور الذي تؤديه المهرجانات السينمائية في تشيلي في رعاية المواهب المحلية؟ دعونا نستكشف النسيج الغني للسينما التشيلية، من جذورها الأولى وحتى يومنا هذا.
وتعكس قصة السينما التشيلية تاريخ الأمة، إذ تأثرت بالتقدم التكنولوجي والتحولات السياسية التي شهدها القرن العشرون. وقد وُضعت أسس السينما التشيلية في مطلع القرن العشرين، عندما بدأ المخرجون الرواد في تجربة سرد القصص على الشاشة للمرة الأولى.
بدأت السينما التشيلية في مطلع القرن العشرين، ويعتقد أن أول فيلم قصير كان بعنوان "أونا كويكا إن كافانشا" (يُرجَّح أنه أُنتج في عام 1897)، تلاه فيلم روائي طويل بعنوان "إل هوسار دي لا مويرتي" (1925)، وهو دراما وطنية من إخراج بيدرو سيينا. وقد شهد عصر السينما الصامتة في تشيلي طفرة في الإنتاجات المحلية على الرغم من القيود التكنولوجية والمالية. وظهرت شركات إنتاج محلية مثل "الأنديز للأفلام" خلال تلك الفترة، غير أن كثيرًا من الأعمال الأولى فُقدت بسبب مشاكل في الحفظ والأرشفة.

وركّز المخرجون الأوائل على اقتباس الأدب التشيلي الكلاسيكي وتناول الأحداث التاريخية، ليصوروا في كثير من الأحيان جوانب مختلفة من الهوية الوطنية من منظور وطني. ومع ذلك، واجهت السينما المحلية تحديات كبيرة بسبب هيمنة الاتجاهات السينمائية العالمية، ولا سيَّما سطوة هوليوود، مما حدّ من نمو صناعة السينما في تشيلي.
بحلول ستينيات القرن العشرين، شهدت تشيلي بروز السينما التشيلية الجديدة، وهي حركة ذات طابع سياسي تعكس الموجة السينمائية الجديدة الأوسع في أمريكا اللاتينية التي كانت آخذة في الظهور في جميع أنحاء القارة. واستخدم المخرجون السينما كشكل من أشكال الاحتجاج والتأمل الثقافي، لا سيَّما خلال حكم سلفادور أليندي والديكتاتورية العسكرية التي تلتها بقيادة أوغستو بينوشيه.
وكان المخرج وكاتب السيناريو باتريسيو جوزمان شخصية محورية في تلك الحقبة، حيث أنتج أفلامًا وثائقية مؤثرة مثل "معركة تشيلي"، الذي يوثق سقوط حكومة أليندي. وأصبح عمله مثالاً بارزًا على صناعة الأفلام ذات البعد السياسي، وسجلاً تاريخيًا مهمًا.

وتميزت هذه الفترة من تاريخ السينما في تشيلي بميزانيات منخفضة ولكنها كانت غنية بالسرد القصصي، وكانت تركز على مواضيع عدم المساواة والقمع والهوية.
في السنوات التي تلت عودة الديمقراطية عام 1990، دخلت السينما التشيلية عصرًا ذهبيًا جديدًا في صناعة الأفلام. ومع ازدياد حرية التعبير وإمكانية التعاون الدولي، بدأ صانعو الأفلام في استكشاف مواضيع متنوعة تتجاوز السياسة.
ساهمت الإنتاجات الدولية المشتركة وبرامج التمويل الحكومية في إحياء هذه الصناعة. وحظيت أفلام مثل "ماتشوكا" (2004) و"توني مانرو" (2008) بإشادة دولية، وهو ما مهد الطريق للاعتراف العالمي بالسينما التشيلية.

على مر العقود، ساهمت الأفلام التشيلية الرئيسية في تحديد الهوية السينمائية للبلاد وجذبت انتباه الجماهير العالمية.
يروي فيلم "لا"، للمخرج بابلو لارين، قصة الاستفتاء الشعبي في عام 1988 الذي أنهى حكم بينوشيه. ويجمع الفيلم بين لقطات أرشيفية حقيقية وخيالية، وقد رُشِّح لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي.

تُقدّم دراما سيباستيان سيلفا، التي حظيت بإشادة النقاد، صورة إنسانية عميقة لخادمة منزل خدمت لفترة طويلة. ويستكشف الفيلم ديناميكيات الطبقة الاجتماعية والتعقيد العاطفي ببراعة، وقد فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان صندانس السينمائي.
يُقدّم فيلم "نيرودا"، الذي أخرجه بابلو لارين أيضًا، رؤيةً شعريةً وخياليةً لحياة الشاعر التشيلي الحائز على جائزة نوبل، بابلو نيرودا. ويمزج الفيلم بين الحقائق التاريخية والخيال، ويتتبع قصة محقق يطارد نيرودا خلال منفاه السياسي. وبأسلوبه البصري الغني وروحه الفكاهية اللاذعة، يحتفي نيرودا بالفن والهوية التشيلية، مستكشفًا في الوقت ذاته أسطورة الفنان نفسه.
يُصور فيلم "ماتشوكا"، للمخرج أندريس وود، الصداقة بين شابين من خلفيات اجتماعية واقتصادية مختلفة خلال الانقلاب العسكري الذي وقع في عام 1973. ويقدم الفيلم منظورًا طفوليًا مؤثرًا للتقلبات الوطنية في ذلك الوقت، ويبقى واحدًا من أشهر الأفلام التشيلية.
يروي فيلم "جلوريا"، الذي تقوم ببطولته بطولة بولينا جارسيا، قصة امرأة في منتصف العمر تُعيد اكتشاف الحب والاستقلالية. وقد حظي الفيلم بإشادة عالمية لعمقه العاطفي، وأُعيد إنتاجه باللغة الإنجليزية في عام 2018 على يد المخرج الأصلي سيباستيان ليليو.
يعود الفضل في نجاح السينما التشيلية بشكل كبير إلى مخرجيها الرواد، الذين شكلوا سمعة البلاد في تقديم سرد قصصي جريء وأصلي.
يُعد جوزمان مخرجًا تشيليًا مشهورًا، عُرف بأفلامه التي تتناول القضايا الاجتماعية، ويشتهر بأفلامه الوثائقية مثل "معركة تشيلي" و"الحنين إلى الضوء". وقد ساهم أسلوبه الشعري وبصيرته التاريخية في فهم التاريخ السياسي لتشيلي في ترسيخ مكانته باعتباره أحد أبرز المخرجين السينمائيين في تشيلي.
بصوته المميز في السينما التشيلية والعالمية، يستكشف بابلو لارين مواضيع السلطة والصدمة والهوية. ومن أبرز أعماله: "لا"، و"النادي"، و"جاكي"، و"سبنسر"، وهو ما يجعله أحد أشهر المخرجين التشيليين على مستوى العالم.

يُعرف، سيباستيان ليليو، مخرج فيلم "امرأة رائعة" الحائز على جائزة الأوسكار، بأفلامه الإنسانية التي تُركز على الأصوات المهمّشة. وقد جعلته روايته الجريئة ودراساته الدقيقة للشخصيات شخصيةً محوريةً في السينما التشيلية المعاصرة.
نجح الممثلون الموهوبون في تشيلي في تجسيد القصص الأكثر إثارة للاهتمام في البلاد، وحازوا على تكريم في الداخل والخارج تقديرًا لأدائهم في الأفلام التشيلية.
أنطونيا زيجرز ممثلة تشيلية معروفة، اشتهرت بتعاونها مع بابلو لارين. وقد أكسبتها أدوارها المتميزة في أفلام مثل "امرأة رائعة" و"النادي" و"لا" شهرةً عالميةً، ورسخت مكانتها باعتبارها واحدة من أشهر الممثلات التشيليات في السينما المعاصرة.
ألفريدو كاسترو، أحد المتعاونين الدائمين مع بابلو لارين، معروف بأدائه المتميز في أفلام مثل "توني مانيرو" و"النادي". وهو أحد أشهر ممثلي تشيلي في جيله وأكثرهم احترامًا.
حازت بولينا جارسيا، نجمة فيلم "جلوريا"، على جوائز عديدة لتجسيدها شخصيات نسائية قوية. وقد برزت بفضل أدائها المتميز بين الممثلات التشيليات الشهيرات.
تشكل المهرجانات السينمائية في مختلف أنحاء تشيلي منصات حيوية للإبداع والاكتشاف والتبادل الثقافي، وهو ما يساعد المخرجين التشيليين على مشاركة أعمالهم مع الجماهير المحلية والعالمية.

يُعدّ مهرجان سانتياجو السينمائي الدولي أحد أبرز الفعاليات السينمائية في تشيلي، ويُقام سنويًا في سانتياجو. ويعرض المهرجان أفلامًا وطنية ودولية تغطي مجموعة واسعة من الأنواع السينمائية. ويلعب دورًا محوريًا في الترويج للسينما التشيلية ودعم المخرجين الناشئين، حيث يوفر فرصًا للتواصل وورش عمل وجلسات نقاشية مع خبراء صناعة السينما المحليين والدوليين.
يُقام مهرجان فالديفيا، الذي تأسس عام 1993، في شهر أكتوبر من كل عام. ويُعرف المهرجان بتركيزه على الأفلام المبتكرة والمستقلة، ويُمثل منصةً لسرد القصص التجريبية ومركزًا للسينما اللاتينية. ويُسلّط المهرجان الضوء على الأفلام التي تُجسّد آفاقًا إبداعية، ويشجع على مناقشة الاتجاهات الفنية في المنطقة.
يُقام مهرجان سانتياجو للأفلام الوثائقية، وهو المهرجان الأبرز للأفلام الوثائقية في تشيلي، سنويًا في سانتياجو. ويحتفي المهرجان، الذي شارك في تأسيسه باتريسيو جوزمان، بصناعة الأفلام الوثائقية، ويعكس التراث العريق للبلاد في مجال الأفلام الوثائقية الاجتماعية والتاريخية. ويوفر المهرجان مساحةً ثريةً للنقاشات وورش العمل والعروض التي تشجع على التأمل في القضايا الاجتماعية المعاصرة.
من خلال شراكتها الثقافية مع تشيلي، قامت مبادرة "الأعوام الثقافية" بدور حيوي في تسليط الضوء على السينما التشيلية في قطر. ومن خلال استضافة فعاليات ثقافية وعروض أفلام وورش عمل إبداعية، لا تحتفي المبادرة بفن صناعة الأفلام فحسب، بل تسهم أيضًا في تعزيز الروابط الفعالة بين المبدعين عبر القارات.

وفي إطار فعاليات العام الثقافي قطر - الأرجنتين وتشيلي 2025، استضافت مؤسسة الدوحة للأفلام سلسلة من العروض العامة المجانية في مايو 2025. وتضمنت فقرات "مشاهد اجتماعية" أفلامًا معاصرة من كلا البلدين، تحت إشراف فيوليتا بافا.
وفي شهر نوفمبر 2025، سيستضيف مهرجان الدوحة السينمائي عرضًا لأفلام "صنع في الأرجنتين/تشيلي"، حيث سيسلط الضوء على المخرجين الواعدين من كلا البلدين. كما سيعزز برنامج تبادل لجان تحكيم مهرجان أجيال الشبابي لهذا العام السرد القصصي بين الثقافات من خلال السينما، بمشاركة محكمين شباب من كلا البلدين.
تُعدّ صناعة السينما في تشيلي من أكثر الصناعات حيويةً في أمريكا اللاتينية، وتتمتع بإرث غني يواصل التطور. فمن عصر السينما الصامتة إلى الأفلام الحائزة على جوائز عالمية في السنوات الأخيرة، وجدت السينما التشيلية صوتها: وهو صوت مؤثر، وجريء، وإنساني بعمق.
ولمواصلة استكشاف المشهد السينمائي في المنطقة، يمكنك أيضًا معرفة المزيد عن السينما الأرجنتينية واكتشاف كيف تزدهر صناعة السينما في قطر.
اكتشف المزيد عن برامج التعاون والتبادل الفني التي تتم في إطار مبادرة الأعوام الثقافية، واستكشف فعالياتنا المقبلة في قطر.