الأعوام الثقافية

false

false

جزيرة الفصح - استكشاف ثقافتها وتاريخها الرمزي

2025/09/15

على جزيرة بركانية صغيرة في جنوب شرق المحيط الهادئ، تُطلّ تماثيل حجرية عملاقة نحو الداخل من على السواحل، بتعابيرها الرصينة التي لم تتغير منذ قرون. وتشتهر جزيرة الفصح، المعروفة أيضًا باسم رابا نوي، عالميًا بهذه التماثيل المعروفة باسم "تماثيل المواي"، والتي يُشار إليها غالبًا باسم "رؤوس جزيرة الفصح".

وإلى جانب التماثيل، تُعدّ جزيرة الفصح موطنًا لثقافة نابضة بالحياة ومجتمع مزدهر لا يزال يحافظ على ازدهاره حتى اليوم. ورغم موقعها النائي، الذي يبعد لأكثر من 35,000 كيلومتر عن البر الرئيسي لتشيلي، تبقى الجزيرة متصلة بالعالم البولينيزي الأوسع، وبصفتها إقليمًا خاصًا بتشيلي، تحافظ على روابطها بالبر الرئيسي مع صون هويتها الثقافية المميزة.

أين تقع جزيرة الفصح في العالم؟

أين تقع رابا نوي إذًا؟ على خريطة العالم، تقع الجزيرة في جنوب شرق المحيط الهادئ، على بُعد أكثر من 3,500 كيلومتر من الساحل الرئيسي لدولة تشيلي. وتُعدُ واحدة من أكثر الجزر المأهولة بالسكان عزلةً على وجه الأرض. وغالبًا ما تُدرج ضمن أروع المناظر الطبيعية في تشيلي، إذ تتميز بشكلها المثلث الذي تكوّن من ثلاثة براكين خامدة، وبمساحة إجمالية لا تتجاوز 163 كيلومترًا مربعًا.

Easter Island Article -  AR 3.jpg

تاريخ جزيرة الفصح: من رابا نوي إلى تشيلي

اشتقت جزيرة رابا نوي اسمها من أرضها وشعبها. ويُعتقد أن الملاحين البولينيزيين وصلوا إليها حوالي عام 800 ميلاديًا، حاملين معهم معارف زراعية ومهارات بحرية وتقاليد روحية لا تزال تُشكل ملامح الجزيرة حتى اليوم. ويُعتقد أنهم قدموا من جزر أخرى في شرق بولينيزيا، ربما من جزر ماركيساس، أو جزر سوسايتي (مثل تاهيتي)، أو جزر أوسترال.

وعلى مدى قرون، ازدهر شعب رابا نوي في عزلة نسبية، مما أدى إلى بناء مجتمع وثيق الصلة بالأرض وبتماثيل المواي التي تحرس قراهم. وتُمثل هذه التماثيل، المعروفة غالبًا باسم "رؤوس جزيرة الفصح"، شخصيات الأجداد التي تُجسد الحماية والقوة الروحية.

وفي عام 1722، وصل الأدميرال الهولندي جاكوب روغيفين في يوم عيد الفصح الذي صادف يوم الأحد، ليسجل بذلك أول اتصال أوروبي معروف، ومنح الجزيرة اسمها الذي نعرفه اليوم: وهو جزيرة الفصح. وبالنسبة لشعب رابا نوي، أدخل هذا الحدث تغييرات جذرية بما في ذلك ظهور أمراض جديدة، والعمل القسري، وحدوث اضطرابات في نمط الحياة التقليدي. وعلى الرغم من هذه الصعوبات، حافظ شعب رابا نوي على جزء كبير من ثقافته ولغته وعاداته.

Easter Island Article -  AR 1.jpg

في عام 1888، ضمت تشيلي جزيرة الفصح رسميًا بموجب معاهدة وقعتها مع الزعماء المحليين. وقد تمخض عن هذه المعاهدة اعتماد ضوابط جديدة للحكم، وقوانين جديدة للأراضي، وبنى تحتية متطورة، ولكنه شكّل أيضًا تحديات جديدة لنمط الحياة التقليدي. وعلى مدار القرن العشرين، استعادت مجتمعات رابا نوي تدريجيًا قدرًا أكبر من الاستقلالية فيما يتعلق بأراضيها وتراثها الثقافي، عبر مزجها بين التقاليد البولينيزية والفرص الحديثة، مع الحفاظ على جذورها الراسخة في هوية الأجداد.

سكان رابا نوي 

تضم جزيرة الفصح مجتمعًا مترابطًا، ويبلغ عدد سكانها حاليًا حوالي 8,000 نسمة، يعيش معظمهم في العاصمة هانغا روا.

الثقافة والتقاليد

يوفر فهم شعب رابا نوي سياقًا أساسيًا لتقدير كيفية الحفاظ على التقاليد ومواءمتها على مر السنين. 

ويُعرّف غالبية سكان الجزيرة أنفسهم بأنهم من سكان رابا نوي، ويعتزون بتقاليدهم من خلال لغتهم ورواية القصص وغيرها من الممارسات الثقافية المهمة. واليوم، يؤدي راقصو رابا نوي رقصة الهاكا خلال مهرجان تاباتي رابا نوي، ويتعلم الأطفال فنون النحت ورواية القصص من كبار السن، وهو ما يضمن بقاء هذه الفنون حيةً للأجيال القادمة. 

Easter Island Article -  AR 4.jpg

وتتميز لغة جزيرة الفصح، رابا نوي، بأنها ذات أصول بولينيزية، وترتبط ارتباطًا وثيقًا بلغة الماركيز واللغة التاهيتية. وعلى الرغم من انتشار اللغة الإسبانية أيضًا، تُبذل جهود محلية للحفاظ على لغة رابا نوي وإحيائها بين الأجيال الشابة. وتُقام مهرجانات مثل مهرجان تاباتي رابا نوي كل عام في مطلع شهر فبراير، لتجمع المجتمع حول العروض الموسيقية والرقصات الشعبية والمسابقات الرياضية التي تحتفي بتراث الجزيرة. 

تأثير السياحة 

اليوم، يزور جزيرة الفصح أكثر من 100,000 زائر سنويًا، حيث ينجذبون إلى تماثيلها التاريخية ومناظرها البركانية وتقاليدها الثقافية النابضة بالحياة. وتُعدُ السياحة مصدرًا أساسيًا لدعم الاقتصاد المحلي، إذ تساهم في إعالة الحرفيين والمرشدين السياحيين وأصحاب أماكن الإقامة العائلية، بما في ذلك العدد المتزايد من الفنادق في جزيرة الفصح. 

وفي الوقت نفسه، يتطلب هذا التدفق المستمر للزوار إدارةً دقيقةً لحماية المواقع الأثرية الهشة والنظم البيئية الحساسة. وتُنظّم سلطات رابا نوي عمليات الدخول إلى المواقع الأثرية، بما يضمن للزوار خوض تجربة ثقافية فريدة، مع حماية الآثار من أي ضرر. ويقع جزءٌ كبيرٌ من الجزيرة ضمن منتزه رابا نوي الوطني، وهو موقعٌ مُدرجٌ على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1996، ولا يُمكن زيارته إلا برفقة مرشدٍ سياحيٍّ معتمد.

تماثيل المواي في جزيرة الفصح

تُعدُ تماثيل المواي في جزيرة الفصح من أبرز رموز الجزيرة، وهي تماثيل حجرية شاهقة نُحتت بين القرنين الثالث عشر والسادس عشر. ويوجد ما يقرب من 1,000 تمثال من هذه التماثيل، يُعتقد أن كلاً منها يُجسد أسلافًا يحمون أحفادهم ويمنحونهم القوة.

بناء التماثيل والغاية منها

إذًا، من الذي صنع الرؤوس الحجرية الموجودة في جزيرة الفصح؟ صُنعت تماثيل المواي على يد سكان رابا نوي، الذين استخرجوا الحجر البركاني الطري (وهو نوع من الصخور المصنوعة من الرماد) من رانو راراكو، ونحتوا التماثيل بعناية باستخدام أدوات حجرية. وخلافًا للاعتقاد السائد، فإن ما يُسمى برؤوس جزيرة الفصح له أجسام كاملة، لا يزال العديد منها مدفونًا تحت التربة.

Easter Island Article -  AR 5.jpg

وكان الغرض من بناء تماثيل المواي ذا طبيعة روحية بحتة وعميقة. فقد كانت هذه التماثيل تُنصب على منصات حجرية تُسمى "آهو"، غالبًا بالقرب من الساحل، بحيث تكون ظهورها مواجهة للبحر ووجوهها متجهة نحو الداخل. وكانت هذه التماثيل تُمثل الأجداد المُقدّسين، حيث كانت تُوجِّه "المانا"، أو القوة الروحية، لمراقبة أفراد المجتمع وحمايته. 

الجهود المبذولة للحفاظ على التماثيل

أدى تعرض التماثيل للرياح والأمطار وهواء المحيط المالح لعدة قرون إلى تآكلها. ويشكل تغير المناخ وارتفاع منسوب مياه البحر تحديات جديدة للجهود المبذولة للحفاظ عليها. ولمواجهة ذلك، تتعاون فرق محلية ودولية في جهود الحفاظ على التماثيل. وتشتمل التقنيات المستخدمة على تثبيت المنصات والمسح الرقمي لتماثيل المواي للحفاظ عليها. ويضمن حماية هذه الرموز الثقافية المهمة بقاءها للأجيال القادمة.

مواقع تماثيل المواي والجولات السياحية

من بين أكثر المواقع إثارة للإعجاب في الجزيرة آهو تونغاريكي، حيث يقف 15 من تماثيل المواي الضخمة في صف واحد، وقد أُعيد ترميمها لاستعادة عظمتها الأصلية. ومن مواقع المواي البارزة الأخرى رانو راراكو، وهو المحجر الذي نُحتت فيه معظم تماثيل المواي، وأورونغو، وهي قرية احتفالية تضم مركزًا للزوار تُقدم لمحة عن تقاليد شعب رابا نوي.

Easter Island Article - Rano Kau -  AR .jpg

ويمكن للزوار حجز جولات إرشادية تجمع بين سرد القصص وزيارة المواقع الأثرية المختلفة، مقدمةً حقائق تاريخية إلى جانب المنظور الثقافي لسكان الجزيرة. وتشمل العديد من الجولات أنشطة مثل مراقبة النجوم، وعروض الرقص التقليدية، وتجارب ثقافية غامرة تعزز التقدير للجزيرة بما يتجاوز التماثيل.

دليل سياحي سريع 

يتطلب التخطيط للقيام بجولة في جزيرة الفصح بعض التحضير المسبق، نظرًا للموقع النائي للجزيرة.

  •  الرحلات الجوية: يمكن الوصول إلى الجزيرة عن طريق الجو، حيث تستغرق الرحلات الجوية المباشرة من سانتياغو إلى هانجا روا، المدينة الرئيسية في الجزيرة، حوالي خمس ساعات في المتوسط .

  •  الإقامة: تتنوع خيارات الإقامة بين دور الضيافة الاقتصادية إلى دور الضيافة الفاخرة التي تديرها العائلات المحلية.

  •  التنقل: يُعدُ استئجار سيارة أو دراجة أو الانضمام إلى جولة إرشادية أفضل طريقة لاستكشاف الجزيرة، نظرًا لقلة وسائل النقل العام في الجزيرة. 

  •  ما يجب رؤيته: إلى جانب تماثيل المواي، ينبغي على الزوار استكشاف الفوهات البركانية مثل رانو كاو، والشواطئ مثل أناكينا، والمواقع الثقافية مثل متحف سيباستيان إنجليرت الأنثروبولوجي.

رابا نوي ومبادرة الأعوام الثقافية

خلال فعاليات العام الثقافي قطر - الأرجنتين، وتشيلي 2025، سيتمكن الجمهور من استكشاف تراث رابا نوي من خلال سرد القصص، وورش عملية في نحت الطين مستوحاة من تماثيل المواي، وتجارب طهي مميزة تُبرز المأكولات التشيلية الأصيلة. وفي وقت لاحق من هذا العام، سيزور سفراء مبادرة "الأعوام الثقافية" المؤثرون جزيرة الفصح في رحلة مشوقة عبر تشيلي والأرجنتين.

Meherio Rapu Easter Island -  AR .jpeg

وقد تحدثنا مؤخرًا مع ميهيريو رابو، المواطنة التشيلية المقيمة في الدوحة، والمنتمية لمجتمع رابا نوي، عن أصولها ونشأتها في جزيرة الفصح. وفي مقابلتها، شاركتنا ميهيريو رؤى شخصية حول تقاليد الجزيرة، وكيف تحافظ على ارتباطها بهويتها الثقافية أثناء إقامتها في الدوحة. وفي وقت لاحق من هذا العام، ستتولى أيضًا قيادة جلسة سرد قصصية في مكتبة قطر الوطنية.

وستوفر هذه الفعاليات في قطر فرصة فريدة للتعرف على ثقافة وتراث رابا نوي، وتعزيز الفهم والتقدير العميق لهذه الجزيرة الرائعة.

خاتمة 

تُعد جزيرة الفصح شاهدًا حيًا على براعة الإنسان وقدرته على الصمود والارتباط المستمر بين البشر وأرضهم. فمن تماثيل المواي إلى التقاليد الحيوية التي تُمارس اليوم، تدعو الجزيرة زوارها إلى تقدير تاريخها واحترام ثقافتها.

استكشف الفعاليات المقبلة المقرر إقامتها في قطر وخارجها في إطار فعاليات العام الثقافي قطر - الأرجنتين وتشيلي 2025.