أصوات من تشيلي في قطر: لقاء مع الطيّار ولاعب الترياثلون فرانسيسكو غوتييريز
2025/11/09
الأعوام الثقافية
false
2025/11/09

تعرفنا في هذا اللقاء على قصة فرانسيسكو الملهمة، وكيف ساهم الشغف، والإصرار، وحبّ التحدي لديه في تشكيل مسيرته المتميّزة حتى اليوم.
"نشأتُ في تشيلي وأنا أحمل في قلبي شغفين كبيرين منذ نعومة أظفاري: الطيران والرياضة. في السابعة عشرة من عمري، وبدافع رغبتي في فهم كيف لقطعة من الحديد أن تبقى معلّقة في الهواء، التحقت بسلاح الجو التشيلي عام 1989 وبدأت مسيرتي كطيّار عسكري. منحني الطيران إحساسًا بالحرية والانضباط والمسؤولية، وهي قيم صاغت شخصيتي ومسيرتي في الحياة."

انتقل فرانسيسكو، بعد سنوات من الخدمة العسكرية، إلى مجال الطيران التجاري. "قررتُ الانتقال إلى العمل في الطيران المدني عام 1997. كانت خطواتي في ذلك تدريجية؛ فقد بدأت بالتحليق في مهمّات مكافحة حرائق الغابات، ثم عملت في رحلات الإجلاء الطبي، قبل أن أنضم في الأخير إلى شركة خطوط لاتام الجوية في تشيلي في وظيفة طيار مساعد."
قاد هذا المسار المهني فرانسيسكو وعائلته إلى الدوحة. "بعد نحو عشرين عامًا من العمل مع لاتام، كنت مستعدًا لخوض تحدٍ جديد والانطلاق نحو أفق أوسع. في عام 2016، تقدمت للعمل في الخطوط الجوية القطرية، إحدى أبرز شركات الطيران في العالم. كانت خطوة كبيرة لعائلتي، لكن سرعان ما أصبحت قطر وطنًا لنا. فهي بلد يقدّر الحياة الأسرية، والطيران، والرياضة – وهي جميعها عناصر أساسية في حياتي. وهنا، تمكنت من تطوير مسيرتي المهنية والانخراط في مجتمع رياضي مزدهر."

شكّل التكيّف مع بيئة مهنية جديدة جزءًا كبيرًا من التحديات التي واجهها فرانسيسكو في الانتقال: "أكبر تحدٍ لي كان التكيّف مع بيئات الطيران المختلفة وثقافات العمل المتنوعة. علّمني الطيران العسكري في تشيلي الدقة وقوة التحمل والتكيّف، لكن الطيران التجاري يعتمد على مبدأ مختلف لروح الفريق ويرتكز على مصلحة العملاء. في الخطوط الجوية القطرية، أصبحت أحلّق عبر قارات العالم مع أطقم وركّاب من خلفيات متعددة، ما وسّع أفق رؤيتي كطيّار وكإنسان على حد سواء."
بالنسبة لفرانسيسكو، الذي يرتّب يومه على أساس النشاط الرياضي، فإن قطر توفّر له البيئة المثالية للتدريب والمنافسة. وعندما سألناه عن طبيعة الحياة والتدريب في الدوحة، أجاب قائلًا: "البنية التحتية هنا مذهلة. هناك مرافق عالمية المستوى مثل أسباير، والمدينة التعليمية، ومسار الدراجات الأولمبي، إضافة إلى بطولات على مدار العام وحسّ مجتمعي عالٍ إزاء الرياضة."
وصرّح بأنه: "لا شك في أن المناخ يشكل تحدّيًا، لكنه يجعل التدريب أصعب والنتيجة مثمرة أكثر. فبالنسبة لشخص يقوم أسلوب حياته على الأداء الرياضي، قطر تمنحه فرصا لا تُعدُّ ولا تحصى للحفاظ على نشاطه البدني ودفع قدراته إلى الأمام."

يعكس جدول تدريب فرانسيسكو الانضباط الذي تعلّمه في قمرة القيادة. فهو يشرح قائلًا: "عادةً ما يجمع تدريبي بين السباحة وركوب الدراجات والجري وتمارين المقاومة في الصالات الرياضية، على حسب الموسم الذي نكون فيه. غالبًا ما أمارس رياضتين يوميًا لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات، بإجمالي يتراوح بين 12 و16 ساعة أسبوعيًا. لا شك أن الحرارة عامل مؤثر، لذا عادة ما تجدني في موسم الصيف أركب الدراجة الساعة الثانية صباحًا أو أركض الساعة الرابعة صباحًا لتجنّب الحر. باختصار، الساعات المبكرة في الصباح أو المتأخرة في المساء هي الحل. تزيد البيئة الصحراوية مستوى آخر من التحمل؛ إذ تتعلم من خلالها إدارة العطش والطاقة والتعامل مع الرطوبة والحرارة والمياه الساخنة والبيئة ذات الغبار بطريقة تختلف تمامًا عمّا هو معتاد في تشيلي."

يشير فرانسيسكو إلى أن هذا الانضباط هو الخيط الذي يربط بين خلفيته العسكرية، ومسيرته في الطيران، وحياته مع الرياضة. ويقول:
"البنية التي تعلمتها في سلاح الجو ولاحقًا كطيّار مدني، القائمة على التخطيط والدقة واتخاذ القرارات تحت الضغط، كانت أساسية لتدريبي كرياضي ترياثلون. لقد علّمتني أن الاستمرارية أهم من الموهبة، وأن قوة التحمل غالبًا ما تُحدّد من يصل أولًا إلى خط النهاية."
وفي حديثه عن مقارنة تجربته في المشاركة في سباقات الترياثلون في كل من تشيلي وقطر، يوضح قائلًا: "في تشيلي، غالبًا ما ترتبط السباقات بالطبيعة؛ حيث تشقّ الجبال والبحيرات والسواحل مسارات مذهلة. أما في قطر، فالسباقات على القدر ذاته من صعوبة التحديات، لكنها تتشكل ضمن البيئة الصحراوية ومن خلال البنية التحتية الحديثة." ويُلاحظ أن: "كلتا الثقافتين تحتفيان بالتحمل وروح المجتمع، لكن بطرق مختلفة. المشاركة في السباقات في كلا المكانين تذكرني دائمًا بأصولي وإلى أي مدى سافرت."

من خلال الرياضة، وجد فرانسيسكو جسورًا ثقافية تربط بين وطنه الأصلي تشيلي وبلده الجديد قطر، حيث يقول: "سواء من خلال مشاركة شاي المتة مع زملائي الرياضيين بعد السباقات أو شرح أصول الرياضة في تشيلي لزملائي، تتحوّل الرياضة إلى جسر يجمع بيننا. لقد التقيت هنا برياضيين من كل أنحاء العالم، وغالبًا ما تبدأ المحادثات بمواضيع عن التدريب لتنتقل سريعًا إلى الثقافة والعائلة والهوية."

"مجتمع رياضات التحمل هنا مرحّب جدًا. بعض من أقرب صداقاتي تكونت خلال جلسات تدريب طويلة في القيظ أو خلال الاحتفالات بعد السباقات. إنه رباط يتجاوز الرياضة؛ فنحن ندعم بعضنا البعض في الحياة، وليس فقط في المنافسات."
"أحيي علاقتي بجذوري التشيلية كل يوم، سواء عبر الطعام، أو اللغة، أو الانضباط الذي اكتسبته في وطني، لا أنسى أبدًا من أين أتيت. كما أن المنافسة الدولية كرياضي ترياثلون تشيليّ تمنحني فخرًا، فأنا لا أمثل نفسي فحسب، بل أمثل بلدي وثقافتي أينما ارتحلت."

يتذكر فرانسيسكو واحدة من أكثر لحظاته الرياضية فخرًا حدثت في الدوحة: "عبوري خط النهاية لأول سباق ترياثلون في كتارا عام 2018 كان تجربة لا تُنسى. لم يكن الأمر مجرد دليل على قوة تحملي، بل كان نتاج سنوات من الالتزام، والتوازن بين مسيرتي في الطيران وشغفي بالرياضة، ودعم عائلتي لي. لقد جسّدت تلك اللحظة كل ما عملت من أجله."

وعندما يتحدث فرانسيسكو عن المستقبل، يتأمل في مجالات حياته المختلفة: "على الصعيد المهني، أرغب في الاستمرار بتنمية مجال عملي كطيار ومواصلة إرشاد الزملاء الأصغر سنًا." ويستمر قائلًا: " أما فيما يخص الرياضة، فأنا أستعد لخوض مزيد من الماراثونات وسباقات الدراجات الجبلية حول العالم وسباقات الترياثلون، وأبحث عن فرص لأرد الجميل لمجتمع الرياضيين هنا في قطر، وقد يكون ذلك من خلال مساعدة الرياضيين الجدد. أما شخصيًا، فأودّ الاستمرار في مد الجسور بين تشيلي وقطر عبر الثقافة والطيران والرياضة."

يوجه فرانسيسكو رسالة تشجيع إلى أبناء بلده الآخرين في الخارج: "ابقوا أوفياء لهويتكم، ولكن استقبلوا أيضًا ما يقدمه لكم محيطكم الجديد. الرياضة لغة عالمية، تفتح الأبواب، وتنسج الصداقات، وتبقيكم ثابتين أينما كنتم على وجه البسيطة. استخدموها للتواصل، ولتحدي أنفسكم، ولحمل جزء عزيز من تشيلي معكم أينما ذهبتم."
يمكنكم اكتشاف المزيد من الأصوات والرحلات المشابهة لرحلة فرانسيسكو ضمن سلسلة أصوات من تشيلي والأرجنتين في قطر، أو الاطلاع على 3-2-1 متحف قطر الأولمبي والرياضي، الذي يبرز تاريخ الرياضات الأولمبية من خلال معروضات تفاعلية للزوار من جميع الأعمار.
اكتشفوا الفعاليات ومبادرات التبادل الثقافي القادمة ضمن فعاليات العام الثقافي قطر–الأرجنتين وتشيلي 2025